المفتاح الأساسي للعلاقات الطبيعية _ رفيق خوري


رفيق خوري

دقت الساعة لترتيب علاقات طبيعية بين لبنان وسوريا، من حيث كان قيامها واجباً منذ الاستقلال. لكن المسألة ليست ولا كانت قليلة التعقيد بسبب الجغرافيا والتاريخ أولاً والسياسات ثانياً. وهي تبدو، من جهة، كأنها محكومة بالبدء من الصفر، ومن جهة أخرى بالبناء على إرث متعدد الجوانب. وليس من السهل القطع مع الماضي، وإن كان الإغراء كبيراً بالنسبة إلى بناء المستقبل المشترك بشكل ما. فالمرحلة الديمقراطية البرلمانية الليبرالية في سوريا بعد الاستقلال كانت قصيرة جداً. والديمقراطية الليبرالية في لبنان، على علاتها ونواقصها، استمرت حتى في ظل وصاية سورية شمولية.

وفي البيان الوزاري لحكومة الاستقلال الأولى برئاسة رياض الصلح شريك رئيس الجمهورية، بشارة الخوري كان على لبنان تطمين سوريا خاصة والأشقاء العرب عامة إلى التمسك بمعادلة "لا مقر ولا ممر". لكن حكام دمشق، بعد سنوات قليلة من الاستقلال وشهر العسل في العلاقات، صاروا ينظرون إلى بيروت على أساس أنها "مقر" للمؤامرات الأجنبية، و"ممر" لها إلى سوريا. وحين دخل لبنان دائرة الوصاية السورية في عهد البعث وآل الأسد صارت بيروت "مقراً" للسياسة السورية و"ممراً" إلى اللعب الجيوسياسي والاستراتيجي مع تل أبيب وطهران وواشنطن وموسكو.

اليوم صار الحديث جدياً عن بداية جديدة بعد سقوط نظام الأسد. لكن الأحمال ثقيلة على الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع. والعقبات ليست قليلة أمام الوضع الجديد في لبنان. فالاعتراف الدولي بالإدارة الجديدة السورية لم تكتمل عناصره بعد، وسط الرقابة الأميركية والرعاية السعودية والصراع التركي-الإسرائيلي على ما هو أكثر من النفوذ. والمصاعب في لبنان، ولا سيما لجهة السلاح خارج الشرعية، تعرقل قرارات الوضع الجديد التي لا بد من الإقدام عليها وتنفيذها لضمان الإفادة الكاملة من الرعاية السعودية و"الشراكة" الأميركية.

وإذا كانت مواضيع البحث بين لبنان وسوريا متشعبة وتحتاج إلى مفاوضات طويلة مع وزراء ولجان مشتركة بعد لقاء الرئيس أحمد الشرع ورئيس الحكومة نواف سلام في دمشق، فإن المفتاح الأساسي للحلول هو التسليم الفعلي بأن لبنان وسوريا بلدان يجمعهما القرب الجغرافي بدل التفريق بينهما أو الهيمنة السورية على بيروت، ويكرس أخوّتهما التاريخ والعلاقات الاجتماعية المتداخلة.

والامتحان في لبنان أسهل منه في سوريا. هناك يحتاج الرئيس أحمد الشرع لأن يلفظ كلمة "ديمقراطية" ويؤلف حكومة تمثل التنوع السوري ويخفف أثقال الجهادية السلفية، وإلا بقيت سوريا خاضعة للعقوبات الأميركية والأوروبية وعاجزة عن إعادة الإعمار، وبالطبع عن إقامة علاقات طبيعية مع لبنان. وهنا يتطلب البحث الجدي في "معاهدة الأخوة والتعاون" والمجلس الأعلى اللبناني-السوري وعشرات الاتفاقات التي جرى فرضها لمصلحة دمشق ومشكلة النازحين، وحدة الموقف الرسمي والشعبي والمساعدة السعودية والدعم الأميركي.

ذلك أن أخطر ما يحدث في سوريا وعلى لبنان هو احتمال الانتقال من حكم فرد إلى حكم فرد.  فكل هيمنة طائفية داخلية أو إقليمية على لبنان تلغي الديمقراطية وتهدد مستقبل البلد. وكل هروب من التنوع في المجتمع السوري هو محاولة ضد طبائع الأمور، وخصوصاً بعدما ساهم النظام المنهار في تمزيق النسيج الاجتماعي.

صحيفة نداء الوطن
المفتاح الأساسي للعلاقات الطبيعية _ رفيق خوري