ماهر الخطيب
إنطلاقاً من التطورات التي كانت قد شهدتها الساحة السوريّة، في الأشهر الماضية، بعد سقوط النظام السابق، عمدت إسرائيل، ولو بطريقة غير رسميّة، إلى تنظيم مؤتمر شارك فيه ممثلون عن عدد من الأقليّات في الشرق الأوسط، من بينهم أكراد وعلويون ودروز وإيزيديون وآشوريون، حيث أعلن منظمو المؤتمر أنّ الهدف من الحدث هو "تعزيز الحوار والتعاون بين الأقلّيات في المنطقة وبين إسرائيل، في ظلّ التحدّيات الأمنية والسياسية التي تواجهها هذه المجموعات في دولها الأصلية".
هذا المؤتمر، يفتح الباب أمام طرح الكثير من علامات الإستفهام حول المخطط الإسرائيلي، خصوصاً في ظلّ الدور الذي تلعبه تل أبيب في الساحة السورية، تحديداً بعد الأحداث التي كانت قد شهدتها محافظة السويداء، عندما بادرت إلى الدخول العسكري المباشر على خطها، نتيجة الإرتكابات التي أقدمت عليها فصائل تابعة للسلطة الإنتقالية في دمشق.
في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الأساس في هذا الملف هو الساحة السورية، نظراً إلى الإشكالات التي تسببت بها الإدارة الإنتقالية في دمشق منذ لحظة وصولها إلى السلطة، خصوصاً لناحية قدرتها على معالجة الأزمات مع مختلف المكونات الطائفية والعرقية، بسبب خلفياتها المعروفة من الجميع، وهو ما سعت تل أبيب إلى إستغلاله إلى أبعد حدود، من خلال التوصيفات التي كانت تتعمد إطلاقها عليها، بالرغم من قنوات الإتصال المفتوحة بين الجانبين.
بالنسبة إلى هذه المصادر، إسرائيل تريد أن تقول، من خلال هذا المؤتمر، إنها باتت تملك القدرة على التأثير في التركيبة الإجتماعية لسوريا، على قاعدة أن هناك مجموعة واسعة من المكونات التي لم تعد تعتبر العلاقة أو التحالف معها من المحرمات، بعد التطورات التي كانت قد شهدتها البلاد، لا سيما أن الممارسات التي أقدمت عليها الإدارة الإنتقالية، سواء في الساحل أو السويداء، شجعت على هذا الأمر.
بعيداً عن قناعة المصادر نفسها بأن هذا التحول هو جزء من الأدوار الوظيفية لهذه الإدارة الإنتقالية، أي أنه سُمح لها بالوصول إلى السلطة من أجل تحقيق هذا الهدف، الذي سيقود حكماً إلى تقسيم سوريا إلى كانتونات طائفية وعرقية، يكون معظمها على علاقة تحالفية مع تل أبيب، ترى أن ما حصل لا تتحمل مسؤوليته تلك المكونات، على إعتبار أنّ الإدارة الإنتقاليّة لم تبادر إلى أيّ خطوة إيجابيّة نحوها.
على الرغم من ذلك، ترى المصادر السياسية المتابعة أنّ الأمور لم تصل إلى حدّ إستخدام هذه الورقة من الجانب الإسرائيلي بشكل جدّي، لا سيما أن المسارات التي من الممكن أن تذهب إليه سوريا لا تزال غير واضحة، بسبب تداخل أدوار العديد من اللاعبين الدوليين والإقليميين في هذه الساحة، في حين يبقى الأساس الموقف الأميركي، الذي لديه قنوات إتصال مفتوحة مع كافة هؤلاء اللاعبين، لا بل يسعى إلى الموازنة بينهم.
في هذا المجال، تشير هذه المصادر إلى أنه هنا قد يكون من الطبيعي البحث عن الموقف التركي، الرافض لأي محاولة لتقسيم سوريا بحسب ما يعلن، لكنه في المقابل يواجه أزمة عدم قدرة الإدارة الإنتقالية على السيطرة على الأوضاع، حيث لا تزال أنقرة تراهن على العلاقة التحالفية التي تجمع رئيسها رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خصوصاً بعد الدور الذي لعبه الأول في تهيئة الأرضية لإنجاح خطة الثاني المتعلقة بقطاع غزة، بالإضافة إلى أدوار أخرى يقوم بها في ملفات مختلفة، ما يدفعها إلى إستبعاد فرضية السماح بإغضابه في الملف السوري في الوقت الحالي.
في المحصلة، ترى المصادر نفسها أن ما تريده إسرائيل هو أن تعزز دورها في ملف الأقليات، الذي قد تعمد إلى إستخدامه بشكل أكبر، في المرحلة المقبلة، في حال وجدت أن هناك أرضية باتت مناسبة للدفع فيه بقوة، في حين أنّ عرقلة هذا المشروع تتوقف على قدرة القوى الداعمة للإدارة الإنتقاليّة في دمشق على تغيير سلوكها، تجاه مختلف المكونات في البلاد، في حال كان لها مصلحة في ذلك.
موقع النشرة